عدد المساهمات : 523 تاريخ التسجيل : 02/06/2016 الموقع : https://sayedazab33.ahlamontada.com/
موضوع: مشيئة الله واختيار الإنسان الأحد يونيو 25, 2017 7:26 pm
مشيئة الله واختيار الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
مشيئة الله تَسْتَوْعِبُ مشيئة الإنسان:
كلّ شيء يجْري بِتَقْديرِهِ ومشيئَتِه، ومشيئَتُهُ تنْفُذ، ولا مشيئَةَ للعِباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان، وما لم يشأ لم يكن. فهذا الكونُ كَوْنُ الله تعالى، ولا يقَعُ شيء إلا بِمَشيئة الله تعالى، ولا يستطيعُ عَبْدٌ مهما كان كبيرًا أن يفعَلَ شيئًا ما أراده الله.
وإنّ كلّ شيء وقع أراده الله تعالى، وكل شيء أراده الله وقَع، وإرادة الله تعالى مُتَعَلِّقَةٌ بالحِكْمَة المطلقة، وحِكْمَتُهُ المطلَقَة مُتَعَلِّقَةٌ بالخير المطلق
وهذا الكلام يحْتاج إلى تَوْضيح، فَمَشيئةُ الله تَسْتَوْعِبُ مشيئة العِباد، فأنت مُخَيَّر، ثم أَراَدَ لا سَمَحَ الله إنسانٌ فاجر وفاسق أن يسْرِق، فأراد الله له أن يُحَقِّقَ له اخْتِيارَهُ، فمشيئةُ الإنسان تَعَلَّقَتْ بالسَّرِقَة، ولأنَّ الإنسان مُخَيَّر تَعَلَّقَتْ مشيئة الله تعالى بِتَمْكينِهِ من السَّرِقَة، ولكنَّ الله تعالى يُنَسِّق، اِسْرِق مِن هذا!! فهو يُحَقِّق لِهذا السارِق مشيئَتَهُ، ويُؤَدِّب هذا المَسْروق، والظالم سوْط الله ينْتَقِمُ به ثمّ ينْتَقِمُ منه. وهذا الكلام معناه أنَّ مشيئة الله تَسْتَوْعِبُ مشيئة الإنسان، فلَمَّا يسرق هذا الكافر أو يقتل فهو ما فعَلَ إلا ما أراده الله تعالى، لِحِكْمَةٍ بالِغَة، حَقَّقَ لِهذا مشيئتَهُ لأنَّهُ مُخَيَّر، وأدَّب بِهذه المشيئة بَقِيَّة خلقِه، وهذا هو التَّنسيق، وكل شيء يجْري بتَقْديرِهِ ومشيئته، ومشيئتُهُ تنْفذ، ولا مشيئَةَ للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن، فالشيء إذا وَقَعَ يعني أنَّ الله تعالى قد شاءَهُ، وإذا اخْتَرْتَ شيئًا وأنفَذتَ ما شئتَ فالمعنى أنّ خطَّة الله اسْتَوْعَبتْ مشيئتك، فما كان لك أن تشاء، وأن تُحَقِّق ما تشاء، لولا أنَّ الله تعالى شاء لك أن تُحَقِّقَ ما تشاء، فأنت تبقى مُخَيَّرًا، ولكن فعْلَك يُنَسَّق من قِبَلِ الله تعالى. قال تعالى
فالقَضِيَّة ليْسَت مِزاجِيَّة، فهو تعالى أدْخَلَ المُقْسِطين، ولم يُدْخِل الظالمين، وأدخل المستقيمين، وهذا يعني أنّ مشيئته مُقَنَّنة بِكمالِهِ.
تَنْفيذ المشيئة الإنسانية تحتاج إلى مشيئة إلهية:
فأنت لك مشيئة لكنَّ هذه المشيئة تفْتَقِرُ إلى فِعْل، والله عز وجل فعَّال لِما يُريد أما أنت وأنا نشاء ولا نفْعَل، فمثَلاً أتمنَّى أنا أن يكون معي ألف مليون، ولكن لا أسْتطيع، إلا أنّ الله تعال فعَّال لما يريد، ومشيئة الإنسان يتحَقَّقُ منها ما يُريدُه الله تعالى فإذا انْقَلَبَتْ إلى فِعْل، فَمَشيئة الله تعالى شاءت أن تقَعَ هذه المشيئة، فَتَنْفيذ المشيئة تحتاج إلى مشيئة الله تعالى. فأنت سُمِحَ لك أن تخْتار، وشاءتْ مشيئة الله أن تكون أنت ذا مشيئة، فأنت مُكَرَّم، أما كل الخَلْق فمُسَيَّرون، الحيوان والملائكة والجماد، إلا الإنس والجنّ اللَّذَيْنِ شاءت لهما مشيئة الله أن يشاؤوا. قال تعالى:
ما معنى هذه الآية؟ إذا صعد شخصٌ إلى السماء، ورجع بعد ساعتين، وقال: رأيت الذات الإلهِيَّة فالآن أُومِن، أما الآخر فقال: لا، أنا لا أومن، وإذا خرج شخصٌ من قبره، وقال: هناك آخرة أُصَدِّقُه، وذاك قال: إذا مشى الجبل أُصَدِّق، فالله تعالى قال:
فالله رسم للإيمان طريقه، وبشَكْلٍ مُبَسَّط لو أنَّك تقرأ الطب خمْس سنوات فلن تحصل على شهادة طبّ، ولو بقيتَ في المستشْفيات خمْس سنوات كذلك لن تنالها إلا إذا تحَصَّلْتَ على شهادة البكالوريا بِتَفَوُّق، فلن تكون طبيبًا حتَّى تسْلك الطريق التي رُسِمَتْ للأطِبَّاء، بكالوريا زائد سبع سنوات دراسة طب، وإلى آخره، فلو أنَّكَ طَلَبْتَ الإيمان بالله عن طريق المعْجزات فلن تؤمن إذا شاء الله، فاليهود رَأوْا المُعْجِزات، عصاً أصْبَحَتْ ثعبانًا فمنهم مَن انحرف وضلّ! فالآية هذه دقيقة جدًا، والله تعالى رسَمَ للإيمان طريقَهُ، فلن تؤمن إلا من خِلال هذه الطريق.
لأنَّ الفعْلَ فِعْلُهُ. هناك مَثَلٌ أُوَضِّحُهُ لكم كثيرًا، وأذْكرهُ كثيرًا، أنت صَيْدلي وتطلب مُوَظَّفًا على مستوى عالٍ من الثَّقافة، وأرَدْتَ أن تمْتَحِنَهُ، فأتَيْتَ بِكَمِيَّة من الدواء، وقلتَ له: ضعْ هنا الفيتامينات، وهنا الحبوب، وهنا السُّموم، ثمّ قلت له: وَزِّع هذه الأدْوِيَة! فلو أنَّه وضَع الفيتامينات مع السُّموم، ومنَعْتَهُ من الإتْمام فأنت لم تمْتَحِنْهُ! لكنَّك تشاء له أن يتَحرَّكَ خطأً، لأنَّهُ في مَوْطِن الامتِحان، فالله تعالى ما أمَرَ بالكُفْر، فإن كفَرَ شخصٌ فهو تعالى أراد، ولم يرْضَ، ومعنى أراد أي سَمَحَ.
سبب التكريم فوق كل المخلوقات هو الحرية التي أعطانا إياها الله:
لو أنَّ الله تعالى ألغى الاخْتِيار، وجعلنا كالملائكة والحيوانات، لا تكليف، ولا أمانة ولا شَهَوات، فالله تعالى أعْطانا الحُرِيَّة كي نرْقى بها، ونكون مخلوقات مُتَمَيِّزَة جدًا.
فالله تعالى يُعينُ المؤمن إذا اخْتار الطريق الصحيح، ويشْرح صدْره، فهذه اسمُها مُعينات، فالإنسان إذا صلى واستقام يُسَرُّ ويرتاح، فهذا خلق الله فيه السرور والراحة تَشْجيعًا لك، وإذا انتَكَس الشخصُ، وترك الصَّلاة، وخرق الاستقامة فإنَّهُ يجدُ ضيقًا، فالقلوب بِيَد الرحمن، يشْرحها لك تشْجيعًا لك، ويُضَيّقُها رَدْعًا لك، ليس المعنى أنّ الإنسان مَجْبور، فأنا أُحاول أن أُبَيِّنَ معنى الآيات التي يُفهَم منها خطأً عقيدة الجبْر.
كيف نُفَسِّرُ هذه الآية؟ معنى كلمة يُغْوِيَكم، أيْ يُخْرِج ما في نُفوسِكم من شرّ! الإغْواء هو الإضلال، فالله تعالى لو أراد أن يُغْوِيَكم لما أفادكم نصحي وهناك معنى ثانٍ، وهو لو اعْتِقَدْتم أنَّ الله خلقكم لِيُغْوِيَكم لن تسْتفيدوا من دَعْوتي. قال تعالى:
فهذا ضَلال جَزائي، المَبْني على ضَلال اخْتِياري. فمَثلاً لو أنَّ الإنسان له زوْجة ممتازة، وعاملَها باللُّطْف، وأحْسَنَ إليها، فهذا لم يفْعَلَ شيئًا، أما لو أُصيبَتْ زَوْجَتُهُ بشَلل – عافانا الله -، ثمَّ تضايَقَ منها، وأهْمَلَها، فهذا كذَّاب، ومنافق، لأنَّه صاحب مصْلَحَة، فالخبث الكامن لا يظهر إلا بالامْتِحان، فالله عز وجل لمَّا علِمَ أنّ فيهم خبْثًا، وضَعَهُم بِظَرْفٍ أخْرج به خُبْثَهم.
فالله تعالى ما أقَرَّهُ على هذا الكلام، وهي دَعْوى إبليس!
علاقة المشيئة الإلهيه بالأمر والرضى:
بعض الناس لا يذْكروا المشيئة الإلهية على جهة التوحيد، وإنَّما يذكروها مُعارضين بها لأمْر الله، دافِعين بها لِشَرْعِهِ، كَفِعْل الزنادِقَةِ والجُهَّال إذا أُمِروا، أو نُهوا احْتَجُّوا بالقَدَر.
وقد احْتَجَّ سارق على عمر رضي الله عنه بالقَدَر، فقال: إنَّ الله قدَّر عليَّ ذلك، قال: وأنا أقْطَعُ يدك بِقَضاء الله وقدَرِهِ! إذا كنتَ تظنّ أنَّ هذه الجريمة التي قد ارْتَكَبْتَها بِقَضاء الله وقدره، فنحن نقطع يدك بِقَضاء الله وقدرِه
فهذا أراد أنَّ الله تعالى هو الذي أجْبره على ذلك، ويشهد لِذلك قوله: