عدد المساهمات : 523 تاريخ التسجيل : 02/06/2016 الموقع : https://sayedazab33.ahlamontada.com/
موضوع: الهجرة النبوية والاخذ بالاسباب والدروس من الهجرة السبت أبريل 07, 2018 11:48 pm
الهجرة النبوية والاخذ بالاسباب والدروس من الهجرة
مثل اختيار الرفيق و العمل بذكاء و التوكل على الله وليس الاتكال
========================================== الآداب والأخلاق والرقائق » الأخلاق » الأخلاق المحمودة. - التاريخ والسيرة » السيرة النبوية. enfrurzhes 8844: النبي صلى الله عليه وسلم وبناء المجتمع الإسلامي كيف وإلى أي حد نجح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في إنشاء مجتمع مستقر في المدينة عام 632 ميلادي . تم النشر بتاريخ: 2002-09-27 الحمد لله
لاشك أن المجتمع الذي أنشأه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة هو مثال للمجتمعات الآمنة المستقرة ، وقد ظهر ذلك جليّاً منذ أن وطىء النبي صلى الله عليه وسلم بقدمه المدينة وبدأ في تكوين الدولة ، ويرجع أمن واستقرار المجتمع هذا إلى عدة أسباب وعوامل ، منها :
أولاً :
بناؤه صلى الله عليه وسلم للمسجد في المدينة أوّل قدومه مما ساعد في إيجاد مرجع يُلجأ إليه حين النوازل ، ومكان يجتمع فيه المسلمون يسأل بعضهم عن بعض ، ويعرف بعضهم أحوال بعض ، فيعاد مريضهم ، وتتبع جنازة ميتهم ، ويعان مسكينهم ، ويزوج أعزبهم .
وهذه بعض الأحاديث في ذلك :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه : لمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أمر ببناء المسجد ، وقال : يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا ، قالوا : لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله . رواه البخاري ( 2622 ) ومسلم ( 524 ) .
عن البراء بن عازب : { ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون } قال : نزلت فينا معشر الأنصار ، كنا أصحاب نخل ، فكان الرجل يأتي من نخله على قدر كثرته وقلته وكان الرجل يأتي بالقِنو والقنوين فيعلقه في المسجد وكان أهل الصفة – وفي رواية ابن ماجه " فقراء المهاجرين " - ليس لهم طعام ، فكان أحدهم إذا جاع أتى القنو فضربه بعصاه فيسقط من البسر والتمر فيأكل ، وكان ناس ممن لا يرغب في الخير يأتي الرجل بالقنو فيه الشيص والحشف وبالقنو قد انكسر فيعلقه ، فأنزل الله تبارك تعالى { يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } قال : لو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطاه لم يأخذه إلا على إغماض أو حياء ، قال : فكنا بعد ذلك يأتي أحدنا بصالح ما عنده . رواه الترمذي ( 2987 ) وابن ماجه ( 1822 ) . وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2389 ) .
القِنو : العذق الذي فيه الرطب . الشيص : النخل غير الملقح . الحَشَف : تمر يابس فاسد .
ثانياً :
إيخاؤه صلى الله عليه وسلم بين المهاجرن والأنصار ، وقد قوَّى هذا الفعل بين أفراد المجتمع المدني بما لم يُسمع بمثله ، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بين العجمي والعربي ، وبين الحر والمولى ، وبين القرشي ومن دونه من أهل القبائل ، فصار المجتمع لحمة واحدة ، وجسداً واحداً ، فلم يستغرب بعدها أن يطلب الأنصاري من المهاجر أن يتقاسم معه ماله نصفين ، وأن يعرض الأنصاري على المهاجر إحدى نسائه ليطلقها له ويتزوجها ، وكان المهاجر يرثُ الأنصاريَّ لقوة ما بينهم من العلاقة ، ثم نسخ التوارث بينهما بآية المواريث ، ورُغِّب الأنصار أن يوصوا لهم بشيء ، فبمثل هذا المجتمع تضرب الأمثال .
وهذه بعض الأحاديث في ذلك :
1- عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : لمَّا قدمنا المدينة آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع ، فقال سعد بن الربيع : إني أكثر الأنصار مالاً فأقْسِم لك نصف مالي ، وانظر أي زوجتي هويتَ نزلتُ لك عنها ، فإذا حلَّت تزوجتَها ، قال : فقال له عبد الرحمن : لا حاجة لي في ذلك ، هل من سوق فيه تجارة ؟ قال : سوق قينقاع ، قال : فغدا إليه عبد الرحمن فأتى بأقط وسمن ، قال : ثم تابع الغدو فما لبث أن جاء عبد الرحمن عليه أثر صفرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تزوجتَ ؟ قال : نعم ، قال : ومن ؟ قال : امرأة من الأنصار ، قال : كم سقت ؟ قال : زنة نواة من ذهب – أو نواة من ذهب - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أوْلِم ولو بشاة . رواه البخاري ( 1943 ) .
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان المهاجرون لمَّا قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت { ولكل جعلنا موالي } نسخت ثم قال { والذين عقدت أيمانكم } إلا النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له . رواه البخاري ( 2170 ) .
ثالثاً :
شرعت الزكاة في السنة الثانية للهجرة ، فصارت المواساة بين الأغنياء للفقراء مما جعل اللحمة تزداد بين المجتمع المدني ، وأواصر الأخوة في الله تقوى أكثر من ذي قبل ، بل تعدى الأمر من إيتاء الزكاة إلى صدقة التطوع .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل ، وكان أحب أمواله إليه " بيرحاء " ، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال أنس : فلما أُنزلت هذه الآية { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن الله تبارك وتعالى يقول { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وإن أحب أموالي إلي " بيرحاء " وإنها صدقة لله أرجو برَّها وذُخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بخٍ ذلك مال رابح ، ذلك مال رابح ، وقد سمعت ما قلت وإني أرى أن تجعلها في الأقربين ، فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله ، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه . رواه البخاري ( 1392 ) ومسلم ( 998 ) .
وقد ظهرت علامات التآلف بين المسلمين في المدينة ، وعرف المهاجرون حق إخوانهم الأنصار عليهم، وفي ذلك بعض الأحاديث ومنها :
عن أنس قال : لما قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينةَ أتاه المهاجرون ، فقالوا : يا رسول الله ، ما رأينا قوماً أبذلَ مِن كثيرٍ ولا أحسنَ مواساةً مِن قليلٍ من قومٍ نزلنا بين أظهرهم ، لقد كفونا المؤنة ، وأشركونا في المهنإ ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم . رواه الترمذي ( 2487 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ( 2020 ) .
وقد ألّف الله بين قلوب أهل المجتمع المدني ، وكان الحب في الله تعالى من شعارات القوم ، وقد أوجبه الله عليهم ، وجعله من علامات كمال الإيمان .
عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " . رواه البخاري ( 13 ) ومسلم ( 45 ) .
عن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى " .
بسم الله الرحمن الرحيم الخطبة الأولى: الحمد له رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين. سيرة الرسول فرض عين على كل مسلم :
أيها الأخوة الكرام: لا شك أنكم جميعاً تعلمون موضوع الخطبة، نحن في أول يوم من أيام السنة الهجرية، والهجرة أيها الأخوة ما هي إلا جزء من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت أقول دائماً افتراضاً لو لم يكن هناك كتاب ولا سنة لكانت سيرة النبي الصحيحة وحدها منهجاً كاملاً لهذا الإنسان، ذلك أن الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي، قرآن يتحرك، قرآن يتعامل مع الخلق، فحينما سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن، والنبي من مسلمات العقيدة معصوم من أن يخطئ في أقواله، وفي أفعاله، وفي إقراره، وفي صفاته، لأنه معصوم أمرنا الله عز وجل أن نأخذ عنه، وأن ننتهي عما نهانا عنه، قال تعالى: ﴿وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [ سورة الحشر: 7 ] وهناك قاعدة في أصول الفقه تقول: ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة، ذلك أن الوضوء فرض، لأن الصلاة التي هي فرض لا تتم إلا به، فإذا أردنا أن ننفذ أمر الله عز وجل، وكل أمر الله في القرآن يقتضي الوجوب ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك، إن أردنا أن نطبق هذه الآية: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [ سورة الأنفال: 33 ] كيف نأخذ ما آتانا وكيف ننتهي عما عنه نهانا؟ إذاً معرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية فرض عين، فرض عين على كل مسلم، وتعلمون ما معنى فرض عين، إن لم تفعل فقد هلكت، وحينما قال الله عز وجل: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ﴾ [ سورة الأحزاب: 21 ] كيف يكون الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة لنا؟ كيف أنفذ هذه الآية؟ كيف أجعل من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ومن علاقات النبي ومن حركات النبي ومن مواقف النبي قدوة لي إن لم أتعلم سيرة النبي؟ فسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض عين على كل مسلم، وهجرة النبي ونحن في يوم الهجرة جزء من سيرته. حركة النبي أبلغ في التعبير عن فهمه لكتاب الله من أقواله :
أيها الأخوة الكرام: بل إن بعض العلماء يقول: إن حركة النبي، مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم أبلغ في التعبير عن فهمه لكتاب الله من أقواله، ذلك لأن أقواله تحتمل التأويل بينما أفعاله لا تحتمل التأويل، والشيء الذي يلفت النظر هو أن النبي الكريم له عند الله مهمتان قد يتبادر إلينا جميعاً أن المهمة الأولى والأخيرة هي التبليغ، والحقيقة أن المهمة الكبرى هي القدوة، ذلك أن التبليغ يحسنه أي إنسان، أي إنسان فصيح اللسان، قوي الذاكرة، عنده أسلوب قوي يبلغ، لكن الناس لا يتعلمون بآذانهم بل يتعلمون بعيونهم، الذي فعله الأنبياء يفوق حدّ الخيال لسبب بسيط هو أنهم فعلوا ما قالوا، وقد أخفق الدعاة إلى الله على كثرتهم لسبب بسيط أنهم قالوا ولم يفعلوا. ومضات من موقع سيرة الرسول من هذا الدين العظيم :
لذلك أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوةً لنا يقتضي ذلك أن نعرف سيرته، ومن أبرز سيرته هجرته صلى الله عليه وسلم، النبي عليه الصلاة والسلام لأن الله جعله قدوةً لنا وأسوةً حسنة ومثلاً أعلى أذاقه الله كل شيء، أذاقه الفقر حتى إذا نصح الفقراء بالصبر ذاق الفقر، دخل إلى بيته مرةً فقال: هل عندكم شيء؟ فقالوا: لا، قال: فإني صائم. وذاق الغنى فسأله أحد رؤساء القبائل لمن هذا الوادي من الغنم؟ قال: هو لك، قال: أتهزأ بي؟ قال: لا والله إنه لك، قال: أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر. أذاقه القهر كما يقهر المسلمون اليوم، أذاقه القهر في الطائف فقال: يا رب إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى صديق ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى لكن عافيتك أوسع لي. أذاقه النصر في مكة، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم و ابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، أذاقه موت الولد؛ إن العين لتدمع وإن القلب ليخشع وما نقول إلا ما يرضي الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون. وأذاقه أن تطلق ابنته وقد طلقت إحدى بناته، أذاقه أن يشيع الناس أن زوجته التي هي أقرب الناس إليه وقعت في أثمن ما تملكه فتاة، تكلم الناس في عرضها في حديث الإفك، ذاق كل شيء ووقف من كل شيء الموقف الكامل، لذلك كان قدوةً لنا وأسوة. شيء آخر أيها الأخوة: الأحداث التي وقعت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام مقصودة لذاتها لم تقع صدفةً إنما وقعت لحكمة بالغة، ليكون الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال هذه الأحداث مشرعاً، وليظهر كمال النبوة في حركته في الحياة. أيها الأخوة الكرام: هذه ومضات من موقع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الدين العظيم، ولكن الهجرة ونحن في ذكراها اليوم، أنا لا أشك أن واحداً منكم لا يعرف وقائع الهجرة، إن وقائع الهجرة يعرفها المسلمون جميعاً، ولكن العبرة في شفافية الحدث، في أن تستنبط من الحدث قاعدةً تنتفع منها في حياتك اليومية، نريد أن نسقط - كما يقول بعضهم الآن - وقائع الهجرة على واقع المسلمين اليوم. التوافق العجيب بين مبادئ العقل ونظام الكون : أولاً: شاءت حكمة الله أن يجعل من أكبر سنن هذا الكون نظام السببية، فكل سبب له نتيجة، وكل نتيجة لها سبب، نظام السببية أحد أكبر قوانين هذا الكون، لماذا جعل الله نظام السببية؟ لأنك كلما رأيت نتيجةً بحثت عن السبب بحكم نظام الكون، والسبب ينقلك إلى السبب الذي قبله، والسبب الذي قبله إلى الذي قبله، إلى أن تصل بشكل لطيف إلى مسبب الأسباب، إلى الله، كأن نظام السببية طريق إلى معرفة الله، ولحكمة بالغة جعل عقل الإنسان مبنياً على مبادئ ثلاثة؛ أحد هذه المبادئ مبدأ السببية، فعقلك لا يقبل شيئاً من دون سبب، لا يقبل أي عقل في الأرض شيئاً من دون سبب، كما أنه لا يقبل شيئاً من دون غاية، كما أنه لا يقبل التناقض، هذه مبادئ العقل، يا الله ما هذا التوافق العجيب بين مبادئ العقل ونظام الكون؟ توافق مبادئ العقل مع نظام الكون تصل من خلالهما إلى الله عز وجل ولكن الذي وضع نظام السببية في أية ثانية قادر على أن يعطله، فقد تجد نتيجةً بلا سبب كسيدنا عيسى عليه السلام من دون زواج، من دون أب وأم، وقد تجد شابين شاباً وشابة في ريعان الشباب ولا ينجبان، قد يكون السبب ولا تكون النتيجة، وقد تكون النتيجة ولا يكون السبب، لماذا؟ لئلا نؤله الأسباب ينبغي أن نؤله الله خالق الأسباب ومسبب الأسباب ومعطل الأسباب أحياناً وخالق النتائج بلا أسباب. دروس الهجرة النبوية : 1 ـ الأخذ بالأسباب ثم التوكل على رب الأرباب : لذلك أيها الأخوة: عليك أن تأخذ بالأسباب كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة وكأنها كل شيء، ما من ثغرة إلا وقد غطاها الرسول صلى الله عليه وسلم، هيأ رجلاً يأتيه بالأخبار، وهيأ رجلاً يمحو الآثار، وهيأ خطةً تبعد عنه الشبه، اتجه نحو الساحل واستقر في غار ثور أياماً ثلاثة حتى يخف الطلب عنه، وهيأ دليلاً غلب فيه الخبرة على الولاء، ولم يدع ثغرةً إلا وغطاها، أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، فلما وصلوا إليه وأصبح أحدهم على بعد أمتار منه قال الصديق رضي الله عنه لرسول صلى الله عليه وسلم: لو أن أحدهم نظر إلى موطئ قدمه لرآنا. الآن لأنه أخذ بالأسباب طاعةً، وأخذ بالأسباب تعبداً، ولم يعتمد على الأسباب كما يفعل أهل الغرب قال: يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ إذاً أخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم توكل على الله وكأنها ليست بشيء، أنت في سيرك على طريق عن يمينه واد سحيق وعن يساره واد سحيق، إنك إن أخذت بالأسباب واعتمدت عليها كشأن الغرب وقعت في الشرك، من اعتمد على ماله ضل، من اعتمد على من حوله ذل، ومن توكل على الله لا ضل ولا ذل. ينبغي أن تأخذ بالأسباب دون أن تعتمد عليها، ينبغي أن تعتمد على الله، وإن لم تأخذ بها وتوكلت على الله فهذا التوكل الذي لا يريده الله، اعقل وتوكل وليس بين الأخذ بالأسباب وبين التوكل على الله تناقض وتضاد، بل بينهما تكامل، بشكل مبسط الابن مريض، آخذه إلى أفضل طبيب، وأشتري له أحسن دواء، وأنفذ تعليمات الطبيب بكل دقة، وبعدئذٍ أتوجه إلى الله وأقول: يا رب لا شافي إلا أنت، أنا أخذت بالأسباب وعليك الباقي، هذا شأن المسلم في سفره، في تجارته، في صناعته، في زراعته، في زواجه، في علاقاته الأسرية، في أفراحه، في أتراحه، تأخذ بالأسباب كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم بالهجرة وكأنها كل شيء وتتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذا الدرس الأول من دروس الهجرة، وما أحوج المسلمين إليه في محنتهم مع أعدائهم، ما أحوجهم كيف؟ قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ [ سورة الأنفال: 60] هذا هو الأخذ بالأسباب ثم التوكل على رب الأرباب قال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [ سورة الروم: 47] أعد لهم ما تستطيع، ما هو متاح لك، والله جل جلاله يرمم الباقي، هذا درس بليغ في تجارتنا، في صناعتنا، في زراعتنا، في علاقتنا مع أعدائنا، في حربنا، في سلمنا، في كل أمور حياتنا، الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة كان مشرعاً، ولعل تشريعه العملي أبلغ عندنا من تشريعه النظري لعل ذلك، التشريع العملي وقائع وقعت. أيها الأخوة الكرام: ورد في بعض الأحاديث الشريفة:" إن الله يلوم على العجز" أن نستسلم، أن نستسلم لواقعنا المر، ألا نحاول إصلاح واقعنا، أن نستسلم لضعفنا، أن نستسلم لقلة حيلتنا: (( النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ: لَمَّا أَدْبَرَ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )) [ أبو داود عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ] أي أن تأخذ بالأسباب، لا تصح هذه الكلمة إلا عندما تأخذ بالأسباب و لا تفلح، أما ألا تأخذ بالأسباب أي طالب لم يدرس فلما رسب قال: حسبي الله و نعم الوكيل هذا ترتيب ربنا، هكذا شاءت مشيئة ربنا، هذا كلام كذب، أما حينما يدرس و يأخذ بالأسباب و لا ينجح لسبب قاهر فيقول: حسبي الله و نعم الوكيل، هذه أول درس من دروس الهجرة. 2 ـ الإسلام حركي و ليس سكونياً : أيها الأخوة الكرام: الدرس الثاني: لا تصدق و لا تتوهم و لا تعتقد أن الإيمان سكوني، جالس في البيت، استمعت إلى درس بالشريط، استمعت إلى خطبة أعجبت بالخطيب، الإسلام عظيم، دين الحق، النبي على حق، و اكتفيت بهذا، لم تقدم شيئاً للمسلمين، لم تتحرك إطلاقاً، لم تعطِ لله، و لم تمنع لله، و لم ترضَ لله، و لم تغضب لله، و لم تصل لله، و لم تقطع لله، و لم تبذل لا من مالك، و لا من وقتك، و لا من جهدك، و لا من عضلاتك، ما فعلت إلا أنك معجب بهذا الدين، معجب بهذه الخطبة، معجب بهذا الدرس، معجب بهذا الكتاب، الإسلام حركي ليس هناك إسلام سكوني: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا﴾ [ سورة الأنفال: 72] ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [ سورة الكهف: 110 ] ماذا نفعل؟ قال: ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾ [ سورة الكهف: 110 ] ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ [ سورة التوبة: 105] الإسلام حركي: ﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً﴾ [ سورة مريم: 31] الزكاة حركة نحو الخلق، و الصلاة حركة نحو الخالق: ﴿وَأَوْصْانِي بِالصّلاةِ والزَّكَاةِ مَا دُمْت حَيّاً﴾ [ سورة مريم: 31] ما من آية في القرآن تتحدث عن الإيمان إلا و قرن الله بها العمل في مئتي موضع من كتاب الله: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [ سورة البقرة: 25] و ليس العلم مقصوداً لذاته في الدين إطلاقاً، إنما العلم ليعمل به، فإن لم يعمل به كان الجهل أولى. أيها الأخوة الكرام: لا قيمة في نظر الإيمان للإيمان النظري المجرد عن كل حركة، مثل أضربه كثيراً، إنسان مصاب بمرض جلدي، و علاجه الوحيد التعرض لأشعة الشمس، قابع في غرفة قميئة مظلمة رطبة، و هو يتحدث عن الشمس، و عن أشعة الشمس، و عن فائدة الشمس، و عن أن الشمس في رابعة النهار، و يا لها من أشعة ناجحة، كلام فارغ، ما لم تتعرض لهذه الأشعة فكل كلامك لا شأن له، و نحن قادمون على مناسبة مولد النبي عليه الصلاة و السلام ذكرت قبل يومين - كلفت أن ألقي كلمة و قد سمعت مديحاً لرسول الله رائعاً جداً - قلت: لو أن رجلاً أباً في أعلى درجة من العلم و الخلق و الفهم و الحكمة، و له ابن على نقيضه جاهل و خامل و كسول، و أمضى هذا الابن كل حياته في مدح أبيه، يبقى الأب حيث هو و الابن حيث هو، لا ينتفع بالمديح بل ينتفع بالاتباع، فالهجرة حركة، و الدين حركة، و الإيمان حركة، و الإسلام حركة، و في الحركة بركة، الموقف السلبي، إعجاب نظري، تأمل فكري، تعاطف نفسي، لا يوجد حركة، لا يوجد بذل، لا يوجد تضحية، لم تحمل همّ المسلمين، لم تسهم في تخفيف الأعباء عن المسلمين، لم تسهم في رفع شأن المسلمين، إيمانك لا قيمة له، لأنه حينما تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن تعبر عن ذاتها بذاتها بحركة نحو الخلق، مؤمن لا يعمل خيراً هناك شك في إيمانه، شك في مصداقيته. علاقة المسلم بالهجرة : الهجرة أيها الأخوة ما علاقتنا بها؟ مبدئياً الهجرة بين مكة والمدينة أغلقت، أغلقت لقول النبي عليه الصلاة و السلام: (( لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ... )) [ متفق عليه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ] و لكن باب الهجرة مفتوح على مصراعيه بين كل مدينتين يشبهان في الماضي مكة و المدينة، أنت حينما تقيم في بلد لا تستطيع أن تعبد الله فيه، بقاؤك فيه حرام، و ينبغي أن تهاجر لأن العبادة علة وجودك: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [ سورة الذاريات: 56 ] أي إنسان يقيم في مكان ما لا يستطيع أن يعبد الله فيه ينبغي أن يهاجر كما هاجر النبي عليه الصلاة و السلام، و قد سمعت فتوى من عالم جليل في بلد غربي في أحد المؤتمرات و الفتوى رائعة قال هذا العالم: ما لم تضمن أن يكون ابن ابنُ ابنك مسلماً لا ينبغي أن تبقى في هذه البلاد، و من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله، علاقتي بالهجرة أنني إذا كنت في مكان الدنيا فيه عريضة، دخل فلكي، رفاه ما بعده رفاه، كماليات ما بعدها من كماليات، حريات ما بعدها من حريات، لكن هذا على حساب ديني و عرضي و أولادي و زوجتي، ينبغي أن تهاجر إلى بلد تعبد الله فيه و لو كان فقيراً، و لو كانت فيه المشكلات لا تعد و لا تحصى، هذا منطق المؤمن، هذا منطق الآخرة، لا توازن بين بلدين، وازن بين الدنيا و الآخرة، لذلك الهجرة بالمفهوم الضيق أن تنتقل بين كل مكانين يشبهان مكة و المدينة، المفهوم الواسع للهجرة: ((...الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ )) [ متفق عليه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو] تركت المال الحرام، تركت هذه الصفقة لأن فيها شبهة، تركت هذا اللقاء لأن فيه اختلاطاً، تركت هذه الوليمة لأن فيها منكرات، تركت هذا السفر لأن فيه فتنة، تركت هذه الزوجة لأنها ليست مؤمنة، هذا تبعدك عن الله عز وجل، أي شيء تتركه في سبيل الله فأنت بهذا الترك مهاجر بمعنى من معاني الهجرة، هذا المفهوم الواسع. عبادة الله في الزمن الصعب كالهجرة إلى رسول الله : أيها الأخوة الكرام: بل إنني أزف لكم هذه البشرى من رسول الله صلى الله عليه و سلم في زمن موت فيه كعقاص الغنم، لا يدري القاتل لمَ يقتل؟ و لا المقتول فيمَ قتل؟ كما ترون فيما حولنا، في زمن يذوب فيه قلب المؤمن في جوفه مما يرى و لا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه و إن سكت استباحوه، في زمن يُصدق فيه الكاذب و يكذب فيه الصادق، يؤتمن الخائن و يخون الأمين، في زمن الفتن ترقص و الدنيا خضرة نضرة، و المرأة معبود الناس من دون الله، في زمن كثر فيه المال الحرام و قلّ المال الحلال، في زمن كثرت فيه الفتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً و يمسي كافراً، و يمسي مؤمناً و يصبح كافراً، في زمن يبيع الإنسان دينه و آخرته بعرض من الدنيا قليل، عبادة الله في هذا الزمن الصعب كهجرة إلي، ورد في الحديث القدسي الصحيح عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ )) [ مسلم عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ] أي في الفتن، لذلك فأووا إلى الكهف و كهفنا مسجدنا، و كهفنا بيتنا، و جنة المؤمن داره. الهجرة في سبيل الشيطان : أيها الأخوة الكرام، بقي هجرة من نوع آخر، الهجرة هذه التي تحدثت عنها في سبيل الله، في سبيل الدار الآخرة، في سبيل الرحمن، لكن الهجرة اليوم في الأعمّ الأغلب هي في سبيل الشيطان، فحينما يرفض المرء الحق و أهله و ينضم إلى الباطل و أهله، فهجرته في سبيل الشيطان، بل هي فرار من واجباته، و حينما يؤثر المرء الدنيا الفانية على الآخرة الباقية فهجرته في سبيل الشيطان، و حينما يفضل المرء مصالحه على مبادئه، و حاجاته على قيمه فهي في سبيل الشيطان، و حينما تكون الهجرة ابتغاء دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته في سبيل الشيطان، و تحدث أصحاب النبي عن مهاجر أم قيس، أراد الزواج منها فاشترطت عليه أن يهاجر، فهاجر من أجلها سماه الصحابة مهاجر أم قيس، و حينما تكون الهجرة بذلاً للخبرات و الطاقات لغير بلاد المسلمين، كل علمك و اختصاصك لغير المسلم يتقوى بهما فهي في سبيل الشيطان، و حينما تكون الهجرة إضعافاً للمسلمين و تقوية لأعدائهم فهي في سبيل الشيطان، و حينما تكون الهجرة هروباً من تحمل المسؤولية، و فراراً من البذل و التضحية فهي في سبيل الشيطان، و حينما تكون الهجرة تمكيناً للعدو من احتلال الأرض و استثمار خيراتها فهي في سبيل الشيطان، و حينما تكون الهجرة من بلد تقام فيه شعائر الله، تصلي أنت في المسجد، و تحضر درس علم في المسجد، و تحجب امرأتك إذا شئت و لا يعترض عليك أحد، إذا سمح لك أن تصلي، و أن تحضر درس علم، و أن تكون حراً في بيتك، حراً في تحجيب نسائك، هذا بلد تقام فيه شعائر الله، فمن تركه إلى بلد لا يستطيع أن يعبد الله فيه فهذه هجرة في سبيل الشيطان، و حينما تكون الهجرة تضييعاً للعرض و الدين و كسباً للدرهم و الدينار فهي في سبيل الشيطان. أيها الأخوة الكرام: وحينما تكون في بلد لك فيه دخل كبير وعز عظيم، لكنك قلقت على مصير أولادك لن يكونوا مسلمين، لن يعتزوا بهذا الدين العظيم، لن ينتموا إلى أمة سيد الأنبياء فتركت هذه الميزات، و عدت إلى بلدك و قد تعاني من بلدك بعض المتاعب لأنه بلد من العالم الثالث، فيه مشكلات كثيرة هذه هجرة في سبيل الرحمن، و هؤلاء الذين أصروا على بقائهم في بلاد الغرب يدفعون بعض الثمن الباهظ في الدنيا. أيها الأخوة الكرام: هذه بعض الإسقاطات من الهجرة النبوية الشريفة على واقعنا المعاصر، أقول قولي هذا، و أستغفر الله العظيم لي و لكم، فاستغفروه يغفر لكم، فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله. * * * الخطبة الثانية : أشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أركان النجاة : أيها الأخوة الكرام: لا يسعني إلا أن أبلغكم أننا في زمن صعب، و أن المسلمين يعانون محنة تفوق حدّ الخيال، و لا يسعني إلا أن أذكركم أنه ما وقع بلاء إلا بذنب، و لا يرفع إلا بتوبة، فلذلك الموقف السلبي من المؤمنين لا يقبل إطلاقاً، الشيء الذي أنت مكلف به أن تكون مسلماً، أن تراجع حساباتك، أن تراجع نظام حياتك في البيت، نظام حياتك في العمل، طريقة كسب المال، طريقة إنفاق المال، المناسبات، الأفراح، الأتراح، الحركة، هل حركتك وفق منهج الله أم حركتك في واد و المنهج في واد آخر؟ إلى متى أنت باللذات مشغول و أنت عن كل ما قدمت مسؤول *** أنا ألححت في الخطبة على الحركة، أي غيّر نظام حياتك في البيت، ما كلفك الله فوق ما تستطيع، اعقد مع الله توبة نصوحة، اجلس مع أهلك كل أسبوع، بيّن لهم الحق من الباطل، بيّن لهم ما سمعت في خطبة الجمعة، حاول أن تضبط أولادك، أن تضبط بناتك، حاول أن تحرر دخلك، هذا الذي بإمكانك أن تفعله، أي جاهد نفسك و هواك، و جهاد النفس و الهوى كما قال بعض العلماء في أربعة بنود: أن تحمل نفسك على معرفة الله، فهل اقتطعت من وقتك وقتاً لمعرفة الله و أن تحملها على طاعته؟ فهل جاهدت نفسك و هواك و أن تحملها على أن تدعو إلى الله في حدود ما تعلم و مع من تعرف؟ هل فعلت ذلك؟ و أن تصبر عن الشهوات، و على الطاعات، و على قضاء الله و قدره، و هذه أركان النجاة. ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [ سورة العصر: 1-3] الدعاء : اللهم اهدنا فيمن هديت، و عافنا فيمن عافيت، و تولنا فيمن توليت، و بارك لنا فيما أعطيت، و قنا و اصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق و لا يقضى عليك، و إنه لا يذل من واليت، و لا يعز من عاديت، تباركت ربنا و تعاليت، و لك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا و لا تحرمنا، أكرمنا و لا تهنا، آثرنا و لا تؤثر علينا، أرضنا و ارض عنا، أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، و أصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، و أصلح إلينا آخرتنا التي إليها مردنا، و اجعل الحياة زاداً لنا من كل خير، و اجعل الموت راحة لنا من كل شر مولانا رب العالمين، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، و بطاعتك عن معصيتك، و بفضلك عمن سواك، اللهم لا تؤمنا مكرك، و لا تهتك عنا سترك، و لا تنسنا ذكرك يا رب العالمين، اللهم بفضلك و رحمتك أعل كلمة الحق و الدين، و انصر الإسلام و المسلمين، و أذل الشرك و المشركين، انصر المسلمين على أعدائك و أعدائهم يا رب العالمين، اجعل تدميرهم في تدبيرهم، و اجعل الدائرة تدور عليهم يا رب العالمين، أرنا قدرتك في تدميرهم يا الله، اللهم وفق ولاة المسلمين بمشارق الأرض و مغاربها لما تحب و ترضى، اللهم اجمع بينهم و وحد كلمتهم، ألهمهم الرشد و السداد. والحمد لله رب العالمين ========================================== الهجرة .. والأخذ بالأسباب
الصاحب
كان، كلما عزم أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ على الهجرة؛ أثناه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك وقال له :
وكانت مهمة عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ- مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ-، أن يأتي بالأغنام لمحو آثار خطوات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر، قالت :" يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ" .
الدليل
وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً، هَادِيَا خِرِّيتًا، ماهرًا بالطريق، وكان من بني الديل، مشركًا، لهم حلف مع آل العاص بن وائل، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ السَّوَاحِلِ، أي القريب من البحر الأحمر
***
الجو السائد في أحداث الهجرة، هو جو " الحذر والأخذ بالأسباب" بصورة تثير التعجب والإعجاب . هذا النبي الكريم الذي قبل سنوات قليلة أسرى الله به من مكة إلى الشام في لمح البصر؛ الآن فرض عليه الهجرة من مكة إلى المدينة؛ وأن يكابد فيها المطاردة والصحراء والجوع والعطش والحر والغربة، يكابد كل ذلك على قدميه لا على براق يطير به في ليلة قمراء، لقد أراد الله ـ تعالى ـ أن تكون أحداث الهجرة تشريعًا إلى قيام الساعة، لذا كانت إنسانية بشرية، أخذ فيها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما استطاع من أسباب الدنيا؛ اختار الصاحب وجهز الراحلة وأنفق المال واستعان براعٍ وجاسوس، وتخفى بغار موحش مُظلم، وأكل القليل من الطعام ما يكاد يسد رمقه؛ كل هذا لتعلم أن دعوة الإسلام دعوة واقعية، وأن الإسلام لا ينتصر إلا إذا أخذنا له بأسباب الدنيا مع التوكل على الله، وأن المسلم في حياته اليومية مهما بلغ في التعبد والتحنث فإن ذلك لن يدفع عنه مذلة الفقر أو مهلكة الجهل، أومعثرة المرض ـ إلا إذا أخذ بالأسباب الدنيوية، والعوامل الحياتية، والوسائل المباحة المختلفة التي تعينه على معاشه، فما بالك إذن إن أردنا أن نجعل من الدعوة الإسلامية رائدة الدعوات، ومن الحضارة الإسلامية سيدة الحضارات ؟
علم الله أنه إذا قال في شأن الهجرة النبوية : كوني لكانت؛ ولَنَقَلَ النبيَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بساط إلهي من بيته في مكة ـ حيث يترصده المشركون ـ إلى بيت أبي أيوب الأنصاري في المدينة، في أقل من طرفة عين، وما ذلك على الله بعزبز، وقد رأيتَ كيف أسرى بعبده ليلاً من مكة إلى ما أبعد من المدينة .
لكن الذين اتقوا ربهم، يعرفون أن دعوة الله لا بد أن نأخذ لها بقوة، وأن نمهد لها طريقها بسبب، وأن نيسر لها وسائلها بحكمة، وأن نُصرفَ لها الأفكار التي تخدمها من هنا وهنا .
***
التوكل والعمل صنوان لأصل واحد، فاعلم أنه لا يُقبل التوكل إلا بحسن العمل، كما أن الأخذ بالأسباب لا يقل وجوبًا عن التوكل على الله .
توصية عملية :
مدارسة حول حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
[5]أخرجه أحمد ( 6912) قال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط الشيخين ============================================ من دروس الهجرة النبوية محمد بن ابراهيم الحمد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد: لقد بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بدعوة تملأ القلوب نوراً، وتشرف بها العقول رشداً؛ فسابق إلى قبولها رجال عقلاء، ونساء فاضلات، وصبيان لا زالوا على فطرة الله. وبقيت تلك الدعوة على شيء من الخفاء، وكفار قريش لا يلقون لها بالاً؛ فلما صدع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أغاظ المشركين، وحفزهم على مناوأة الدعوة والصد عن سبيلها؛ فوجدوا في أيديهم وسيلة هي أن يفتنوا المؤمنين، ويسومونهم سوء العذاب، حتى يعودوا إلى ظلمات الشرك، وحتى يرهبوا غيرهم ممن تحدثهم نفوسهم بالدخول في دين القيّمة. أما المسلمون فمنهم من كانت له قوة من نحو عشيرة، أو حلفاء يكفون عنه كل يد تمتد إليه بأذى، ومنهم المستضعفون، وهؤلاء هم الذين وصلت إليهم أيدي المشركين، وبلغوا في تعذيبهم كل مبلغ. ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقاسيه أصحابه من البلاء، وليس في استطاعته حينئذ حمايتهم، أذن لهم في الهجرة إلى الحبشة، ثم إلى المدينة، ثم لحق بهم في المدينة. والناظر في الهجرة النبوية يلحظ فيها حكماً باهرة، ويستفيد دروساً عظيمة، ويستخلص فوائد جمة يفيد منها الأفراد، وتفيد منها الأمة بعامة. فمن ذلك على سبيل الإجمال ما يلي:
1 - ضرورة الجمع بين الأخذ بالأسباب والتوكل على الله: ويتجلى ذلك من خلال استبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وأبي بكر معه؛ حيث لم يهاجرا إلى المدينة مع المسلمين، فعليّ رضي الله عنه بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه صحبه في الرحلة. ويتجلى كذلك في استعانته بعبدالله بن أريقط الليثي وكان خبيراً ماهراً بالطريق. ويتجلى كذلك في كتم أسرار مسيره إلا من لهم صلة ماسّة، ومع ذلك فلم يتوسع في إطلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم، ومع أخذه بتلك الأسباب وغيرها لم يكن ملتفتاً إليها بل كان قلبه مطوياً على التوكل على الله عز وجل.
2 - ضرورة الإخلاص والسلامة من الأغراض الشخصية: فما كان عليه الصلاة والسلام خاملاً، فيطلب بهذه الدعوة نباهة شأن، وما كان مقلاً حريصاً على بسطة العيش؛ فيبغي بهذه الدعوة ثراء؛ فإن عيشه يوم كان الذهب يصبّ في مسجده ركاماً كعيشه يوم يلاقي في سبيل الدعوة أذىً كثيراً.
3 - الإعتدال حال السراء والضراء: فيوم خرج عليه الصلاة والسلام من مكة مكرهاً لم يخنع، ولم يذل، ولم يفقد ثقته بربه، ولما فتح الله عليه ما فتح وأقر عينه بعز الإسلام وظهور المسلمين لم يطش زهواً، ولم يتعاظم تيهاً؛ فعيشته يوم أخرج من مكة كارهاً كعيشته يوم دخلها فاتحاً ظافراً، وعيشته يوم كان في مكة يلاقي الأذى من سفهاء الأحلام كعيشته يوم أطلت رايته البلاد العربية، وأطلت على ممالك قيصر ناحية تبوك.
4 - اليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين: فالذي ينظر في الهجرة بادئ الرأي يظن أن الدعوة إلى زوال واضمحلال. ولكن الهجرة في حقيقتها تعطي درساً واضحاً في أن العاقبة للتقوى وللمتقين. فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلّم بسيرته المجاهد في سبيل الله الحق أن يثبت في وجه أشياع الباطل، ولا يهن في دفاعهم وتقويم عوجهم، ولا يهوله أن تقبل الأيام عليهم، فيشتد بأسهم، ويجلبوا بخيلهم ورجالهم؛ فقد يكون للباطل جولة، ولأشياعه صولة، أما العاقبة فإنما هي للذين صبروا والذين هم مصلحون.
5 - ثبات أهل الإيمان في المواقف الحرجة: ذلك في جواب النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه لمّا كان في الغار. وذلك لما قال أبو بكر: والله يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موقع قدمه لأبصرنا. فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم مطمئناً له: { ما ظنّك باثنين الله ثالثهما }. فهذا مثل من أمثلة الصدق والثبات، والثقة بالله، والإتكال عليه عند الشدائد، واليقين بأن الله لن يتخلى عنه في تلك الساعات الحرجة. هذه حال أهل الإيمان، بخلاف أهل الكذب والنفاق؛ فهم سرعان ما يتهاونون عند المخاوف وينهارون عند الشدائد، ثم لا نجد لهم من دون الله ولياً ولا نصيراً.
6 - أن من حفظ الله حفظه الله: ويؤخذ هذا المعنى من حال النبي صلى الله عليه وسلم لما ائتمر به زعماء قريش ليعتقلوه، أو يقتلوه، أو يخرجوه، فأنجاه الله منهم بعد أن حثا في وجوههم التراب، وخرج من بينهم سليماً معافى.
=========================================== الأخذ بالأسباب والاعتماد علي الله من دروس الهجرة-هدي للمتقين-الشيخ أحمد صبري
من قصص الأنبياء: قصة هجرة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
متى كانت هجرة الرسول إلى المدينة
حديث الشعراوي عن الهجرة بسنة 1976
===========================================
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كل عام وكل مسلم على وجه الارض بخير و سلام كل سنه وانتم طيبين